من قرارات المجامع الفقهية (54)- مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي

إعداد: الشيخ عبد الرحيم خليل
آخر تحديث 11/02/2012 14:26

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
أولًا: التحكيم؛ اتفاق طرفي خصومة معينة على تولية من يفصل بينهما، بحكمٍ ملزم، يطبق الشريعة الإسلامية.
وهو مشروع سواء أكان بين الأفراد أم في مجال المنازعات الدولية.
ثانيًا: التحكيم عقد غير لازم لكل من الطرفين المحتكمين والحكم، فيجوز لكل من الطرفين الرجوع فيه ما لم يشرع الحكم في التحكيم، ويجوز للحكم أن يعزل نفسه -ولو بعد قبوله- ما لم يُصدر حكمه، ولا يجوز له أن يستخلف غيره دون إذن الطرفين، لأن الرضا مرتبط بشخصه.
ثالثًا: لا يجوز التحكيم في كل ما هو حق لله تعالى، كالحدود، ولا فيما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة إلى غير المتحاكمين ممن لا ولاية للحَكَم عليه، كاللعان، لتعلق حق الولد به، ولا فيما ينفرد القضاء دون غيره بالنظر فيه.
فإذا قضى الحكم فيما لا يجوز فيه التحكيم فحكمه باطل ولا ينفذ.
رابعًا: يشترط في الحكم بحسب الأصل توافر شروط القضاء.
خامسًا: الأصل أن يتم تنفيذ حكم المحكَّم طواعية، فإن أبى أحد المحتكمين، عرض الأمر على القضاء لتنفيذه، ما لم يكن جورًا بينًا، أو مخالفًا لحكم الشرع.
سادسًا: إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسلامية يجوز احتكام الدول أو المؤسسات الإسلامية إلى محاكم دولية غير إسلامية، توصلًا لما هو جائز شرعًا.

ملاحظات:
1- ما ذُكر أعلاه ورد في قرارات مجمع الفقه الدولي؛ دورة رقم 9، قرار رقم 91.
2- قرر المجلس الأوروبي للإفتاء في دورته التاسعة ما يلي:
يدعو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المسلمين في أوروبا إلى اللجوء إلى التحكيم وفقًا للشريعة الإسلامية في كل ما لا يتعارض مع القوانين السارية في البلاد الأوروبية، ولا سيما في أحوالهم الشخصية ومعاملاتهم المالية، وذلك من أجل الإسراع في حسم منازعاتهم والتخفيف عن المحاكم الرسمية.
يمكن أن يجري التحكيم عن طريق الاشتراط في العقد الأصلي أو الاتفاق التحكيمي لدى كاتب العدل أو أي جهة رسمية أخرى.
يمكن أن يختار الأطراف محكمًا واحدًا، رجلًا كان أو امرأة، أو هيئة تحكيمية من عدة أفراد، ويجب أن يكون عددهم وترًا حتى يمكنهم اتخاذ القرار بالأغلبية، ويشترط في المحكمين أن يكون من بينهم من لديه إلمام بالأحكام الشرعية والقوانين السارية وأن يكونوا معروفين بالنزاهة والاستقامة.
يكون قرار التحكيم ملزمًا لجميع الأطراف بناءً على تعهدهم، وعليهم تنفيذه.
قرر المجلس إعداد لائحة تفصيلية توضح إجراءات التحكيم الشرعية بما يتوافق مع القوانين الأوروبية وترجمتها إلى مختلف اللغات لمساعدة المسلمين على سلوك هذا الطريق، وكذلك إعداد نموذج لصك التحكيم على أن يتم إنجاز ذلك في الدورة القادمة.
يوصي المجلس الكليات الشرعية والمراكز الإسلامية أن تقيم دورات تأهيل للمحكمين بالتعاون مع أقسام الدراسات القانونية في الجامعات الأوروبية.
3- ومما جاء في قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء؛ دورة رقم 11، قرار رقم 4:
- الأصل أن يختار المسلم عند حاجته إلى تحكيم محكمين مسلمين، أو مراكز تحكيم ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، وإذا لم يمكن ذلك فيجوز الاحتكام إلى جهات تحكيم غير إسلامية توصلًا لما هو مطلوب شرعًا.
- لا يجوز التحكيم في كل ما هو حق لله تعالى، ولا فيما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة إلى غير المتعاملين ممن لا ولاية للمحكم عليه، ولا فيما ينفرد القضاء به دون غيره بالنظر فيه. والله أعلم.
4- تحدث الإمام الجويني في كتابه الغياثي عن حالة فقدان سلطان المسلمين فقال: ولو سعى عند شغور الزمان طوائف من ذوي النجدة والبأس في نفض الطرق عن السُّعاة في الأرض بالفساد، فهو من أهم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإنما يُنهى آحاد الناس عن شَهر الأسلحة استبدادًا إذا كان في الزمان وزرٌ قوام على أهل الإسلام، فإذا خلا الزمان عن السلطان، وجب البدار على حسب الإمكان إلى درء البوائق عن أهل الإيمان، ونهيُنا الرعايا عن الاستقلال بالأنفس من قبيل الاستحثاث على ما هو الأقرب إلى الصلاح والأدنى إلى النجاح، فإن ما يتولاه السلطان من أمور السياسة أوقعُ وأدفعُ للتنافس وأجمعُ لشتات الرأي، وفي تمليك الرعايا أمور الدماء وشهرَ الأسلحة وجوهٌ من الخبل لا ينكرها ذو العقل. وإذا لم يصادف الناس قوّامًا بأمورهم يلوذون به فيستحيل أن يؤمروا بالقعود عما يقتدرون عليه من دفع الفساد، فإنهم لو تقاعدوا عن الممكن، عمّ الفساد البلاد والعباد.
وإذا أُمروا بالتقاعد في قيام السلطان، كفاهم ذو الأمر والمهمات، وأَتاها على أقرب الجهات.
وقد قال بعض العلماء: لو خلا الزمان عن السلطان فحق على قُطّان كل بلدة وسكان كل قرية أن يقدموا من ذوي الأحلام والنهى، وذوي العقول والحِجا من يلتزمون امتثال إشاراته وأوامره، وينتهون عن مناهيه ومزاجره، فإنهم لو لم يفعلوا ذلك ترددوا عند إلمام المهمات، وتبلدوا عند إظلال الواقعات.
ثم كل أمر يتعاطاه الإمام في الأموال المفوضة إلى الأئمة، فإذا شغر الزمان عن الإمام، وخلا عن سلطان ذي نجدة وكفاية ودراية، فالأمور موكولة إلى العلماء. وحق على الخلائق على اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم، فإن فعلوا ذلك، فقد هُدوا إلى سواء السبيل، وصار علماء البلاد ولاة العباد.
فإن عسر جمعهم على واحد استبد أهل كل صقع وناحية باتباع عالمهم.
وإن كثر العلماء في الناحية، فالمتبع أعلمهم، وإن فُرض استواؤهم، ففرضهم نادر لا يكاد يقع، فإن اتفق، فإصدار الرأي عن جميعهم مع تناقض المطالب والمذاهب مُحال، فالوجه عندي في قطع النزاع الإقراع، فمن خرجت له القرعة، قُدّم.
5- ذهب الحنفية إلى أنه إذا لم يكن سلطان وَجَبَ على أهل البلد أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليًا، والوالي يعين قاضيًا، أو يكون هو الذي يقضي بينهم.
[الموسوعة 33/296].

والخلاصة:
على المسلمين في هذه البلاد أن يتخذوا من التدابير التي تؤدي إلى حل الخصومات في إطار المجتمع الإسلامي من خلال لجان صلح فعالة في كل بلد، ولجان تحكيم موثوقة ذات كفاءة.
ثم لا بد من بذل الجهد على المدى البعيد من أجل الوصول إلى جهاز قضاء داخلي ومرجعية داخلية يُرجع إليها في كافة المنازعات والخصومات، ثم الوصول إلى تكوين هيئة تأخذ الممكن والمقدور عليه من دور وصلاحيات الوالي أو أمير الإقليم، ولعل أقرب مثال لما أقصده هو نموذج متطور لمجلس القضاء الأعلى في جنوب أفريقيا بدوره الشرعي والاجتماعي والسياسي.
قد يقول قائل هذا مجتمع عصامي، وقد يقول قائل هذا حكم ذاتي، أقول: سمّه ما شئت، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء.
أحلام اليوم حقائق الغد لمن عملوا بالأمس واليوم وغدًا، وأحلام اليوم حصاد الهشيم غدًا لمن أتقنوا صنعة الكلام والتنظير ليس إلا...

أضف تعقيب

ارسل

تعليقات


أذهب للأعلى