قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كُفوا، ولهم كانوا على كشفها أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون، فلئن كان الهدى ما أنتم عليه، لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، ولقد وصفوا منه ما يكفي، وتكلموا منه بما يشفي، فما دونهم مقصّر، ولا فوقهم محصر، لقد قصر دونهم ناس فجفوا، وطمح آخرون عنهم فغلوا، وإنهم من ذلك لعلى هدى مستقيم.
فائدة من سورة الكوثر
قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: "ومن لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها (سورة الماعون)؛ لأن السابقة قد وصف الله فيها المنافق بأمور أربعة: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة.
فذكر هنا في مقابلة البخل: (إنا أعطيناك الكوثر)؛ أي: الكثير. وفي مقابلة ترك الصلاة: (فصلِّ)؛ أي: دُمْ عليها. وفي مقابلة الرياء: (لربك)؛ أي: لرضاه لا للناس. وفي مقابلة منع الماعون: (وانحر)، وأراد به التصدق بلحم الأضاحي. فاعتبر هذه المناسبة العجيبة".
إذا سُئلت أعطيت وإذا سكتّ ابتديت
قال أبو البختري: قيل لعلي بن أبي طالب -كرم الله وجهه: حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عن أيهم؟ قال: عن عبد الله بن مسعود، قال: قرأ القرآن، وعلم السنة، ثم انتهى، وكفاه بذلك؛ قال: فحدثنا عن حذيفة؛ قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين، قالوا: فأبو ذر، قال: كنيف مليء علما عجز فيه، قالوا: فعمار، قال: مؤمن نسي، إذا ذكرته ذكر، خلط الله الإيمان بلحمه ودمه، ليس للنار فيه نصيب، قالوا: فأبو موسى، قال: صبغ في العلم صبغة، قالوا: فسلمان، قال: علم العلم الأول والآخر، بحر لا ينزح، منا أهل البيت، قالوا: فحدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين، قال: إياها أردتم، كنت إذا سُئلت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
يا معلم إبراهيم
قال مالك بن يخامر: لما حضرت معاذا الوفاة بكيت، فقال ما يبكيك؟ قلت: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنت أتعلمهما منك، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، اطلب العلم عند أربعة، فذكر هؤلاء الأربعة، ثم قال: فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز، فعليك بمعلم إبراهيم، قال: فما نزلت بي مسألة عجزت عنها إلا قلت: يا معلم إبراهيم.
أفحمه الكناس
ومن اللطائف ما حكاه الأصمعي قال: مررت بكناس يكنس كنيفا [دورة مياه]، وهو يغني ويقول: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهةٍ وسداد ثغر. فقلت له: أما سداد الثغر فلا علم لنا كيف أنت فيه، وأما سداد الكُنُف فمعلوم! قال الأصمعي: وكنت حديث السن فأردت العبث به فأعرض عني مليا، ثم أقبل عليّ وأنشد: وأكرمُ نفسي إنني إن أهنتها وحقك لم تكرمْ على أحدٍ بعدي فقلت: وأي كرامة حصلت لها منك، وما يكون من الهوان أكثر مما أهنتها به؟! فقال: لا والله بل من الهوان ما هو أكثر وأعظم مما أنا فيه، فقلت له: وما هو؟ فقال: الحاجة إليك وإلى أمثالك!
قال: فانصرفت وأنا أخزى الناس.
بيت المال أولى بها
أرسل حسان النبطي إلى هشام بن عبد الملك هدايا كثيرة، إليه وإلى أمهات أولاده، من الكساء والعطر والجوهر وغيرها، فاستكثرها هشام، وقال: بيت المال أحق بهذا، ثم أمر فنودي عليها، فبلغت مائة ألف دينار، فبعث حسان أثمانها، وقال: يا أمير المؤمنين، قد طابت الآن، هذه مائة ألف دينار تحمل إلى بيت المال، فاقبل هديتي؛ فقبلها.
ليرفق الشيخ بالشيخ
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتي ببرود –نوع من الثياب- من اليمن، فقسمها بين المهاجرين والأنصار، وكان فيها بُرد فائق لها، فقال: إن أعطيتُه أحدًا منهم غضب أصحابه ورأوا أني فضلتُه عليهم، فدُلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة أعطيه إياها. فسمّوا له المسور بن مخرمة، فدفعه إليه، فنظر إليه سعد بن أبي وقاص. فقال: ما هذا؟ فقال: كسانيه أمير المؤمنين. فجاء سعد إلى عمر فقال: تكسوني هذا البرد وتكسو ابن أخي مسورًا أفضل منه. قال له: يا أبا إسحاق، إني كرهت أن أعطيه أحدًا منكم فيغضب أصحابه، فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة لا يُتوهّم فيه أني فضلته عليكم. فقال سعد: فإني قد حلفت لأضربن بالبرد الذي أعطيتني رأسك. فخضع له عمر رأسه، وقال: عندك يا أبا إسحاق، وليرفق الشيخ بالشيخ. فضرب رأسه بالبرد.
عظني وأوجز
قال الخليفة أبو جعفر المنصور لجليسه شبيب بن شيبة التميمي المنقري: عظني وأوجز، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله لم يرض من نفسه بأن يجعل فوقك أحدًا من خلقه، فلا ترض له من نفسك بأن يكون عبدًا له أشكر منك، فقال: والله لقد أوجزت.
لكل علم فوائده
قال الإمام الشافعي رحمه الله: من تعلم القرآن عظُمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبُل مقداره، ومن تعلم اللغة رقّ طبعه، ومن تعلم الحساب تجزّل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
عليك بخاصة نفسك
أرسل الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك إلى الإمام الأعمش رحمه الله، أن اكتب إلي بمناقب عثمان ومساوئ علي رضي الله تعالى عنهما، فأخذ الأعمش القرطاس وأدخله في فم شاة، فلاكته، وقال للرسول: قل له هذا جوابه، فذهب الرسول ثم عاد، وقال: إنه آل عليّ أن يقتلني إن لم آته بالجواب، وتحيل عليه بإخوته -أي أنه يعول إخوته الصغار- فقالوا له: افْدِهِ من القتل، فلما ألحوا عليه، كتب: أما بعد، فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض، ما نفعتك، ولو كان لعلي مساوئ أهل الأرض، ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك والسلام.
اتقوا الله وأعطوه وصيته
عن حصين بن عبد الرحمن قال: ورثت صفية مائة ألف درهم بقيمة أرض وعَرَض، فأوصت لابن أختها، وهو يهودي، بثلثها. قال أبو سلمة: فأبوا يعطونه، حتى كُلمت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إليهم: اتقوا الله وأعطوه وصيته. فأخذ ثلثها وهو ثلاثة وثلاثون ألف درهم ونيف. وكانت لها دار تصدقت بها في حياتها. قال حصين ورأيت شيخا وأنا صغير فقالوا: هذا وارثُ صفية بنت حيي، فأسلم بعدما ماتت سنة 50هـ فلم يرثها.
من وصايا لقمان لابنه
ذكر في "نزهة المجالس" قال لقمان عليه السلام لابنه:
يا بُني: اتخذ تقوى الله تعالى تجارةً يأتك الربحُ من غير بضاعة. يا بني: لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يُصوِّتُ بالأسحار وأنت نائم على فراشك.
يا بُني: لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة.
يا بُني: عليك بمجالس العلماء، واستمع إلى كلام الحكماء، فإن الله تعالى يحيي القلب الميِّتَ بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميِّتة بوابلِ المطر.
يا بُني: لا يأكل طعامك إلا الأتقياء، وشاوِر في أمرك العلماء.
يا بُني: لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعملَ بما تعلم.
يا بُني: إياك والدَّين، فإنه ذُلٌّ في النهار وهمٌّ في الليل.
أضف تعقيب