فوائد الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم (2)

د. مشهور فواز
آخر تحديث 25/02/2012 16:29

قراءة من كتاب "الدّر المنضود في الصلاة والسّلام على صاحب المقام المحمود" لابن حجر الهيتمي (ص163-173)

بيّنت في الحلقة السّابقة بعض فوائد وأسرار الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكما وعدناكم نستعرض في هذه الحلقة بقية الفوائد والأسرار التي أشار إليها مولانا علاّمة زمانه وحجة دهره وأوانه ابن حجر الهيتمي الشافعي.

حيث قال رحمه الله تعالى: ومنها (أي من فوائد الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم):
1. أنّها سبب للكيل بالمكيال الأوفى من الثواب، لما رواه أبو داود في سننه (982) وعبد بن حميد في مسنده وغيرهما أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: "من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت.. فليقل: اللهمّ صلّ على محمّد النبيّ وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صلّيت على إبراهيم إنك حميد مجيد".
2. ومنها أنّها سبب لكفاية المهمات في الدنيا والآخرة ولمغفرة الذنوب، وذلك لما أخرجه التّرمذي وحسّنه عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا ذهب ثلثا اللّيل.. قام فقال: "يا أيّها النّاس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه"، قال أبيّ: فقلت: يا رسول الله، إنّي أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت"، قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت.. فهو خير لك، قلت: فالنصف؟ قال: "ما شئت، وإن زدت.. فهو خير لك"، قلت: "فالثلثين"؟ قال: "ما شئت، وإن زدت.. فهو خير لك"، قلت: "أجعل لك صلاتي كلّها؟ قال: إذن تكفى همّك ويُغفر لك ذنبك" (رواه الترمذي (2457) وهو حديث حسن).
وفي رواية أخرى أخرجها الإمام أحمد في مسنده (5\136) والبيهقي في الشعب (1580) مفادها قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلّها عليك؟ قال: "إذن يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمّك من دنياك وآخرتك".
والمعنى: أنّي أكثر الدعاء، فكم أجعل لك من دعائي صلاةً عليك؟ أي إنّ لي زمانًا أدعو فيه لنفسي، فكم أصرف من ذلك الزمن للصلاة عليك؟ فلم ير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يعيّن له في ذلك الزمن حدًّا لئلا يغلق عليه باب المزيد، فلم يزل يفوّض الاختيار إليه مع مراعاة الحثّ على المزيد.. حتى قال: أجعل لك صلاتي كلّها، أي أصلّي عليك بدل ما أدعو به لنفسي؟ فقال: "إذن تكفى همّك".
وهو في المعنى إشارة له بالدعاء لنفسه كما في الحديث القدسي: "من شغله ذكري عن مسألتي.. أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين" [رواه الترمذي (2926)].
فنتج من ذلك: أنّ من جعل الصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلّم معظم عباداته... كفاه الله تعالى همّ دنياه وآخرته.
3. أنّها أمحق للخطايا من الماء للنار، وأنّ السلام عليه صلّى الله عليه وسلّم أفضل من عتق الرّقاب.
أخرج النميي وابن بشكوال عن أبي بكر رضي الله عنه أنّه قال: "الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمحق للخطايا من الماء للنار، والسّلام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أفضل من عتق الرّقاب، وحبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل من مهج الأنفس"، أو قال في رواية أخرجها الخطيب في تاريخه (7\172): "أفضل –أي حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- من ضرب السّيف في سبيل الله تعالى". قال ابن حجرالهيتمي: وله حكم المرفوع، إذ مثله لا يقال بالرأي.
قال ابن حجر الهيتمي: قيل: "وإنّما كان السلام عليه صلّى الله عليه وسلّم أفضل من عتق الرقاب، لأنّ ثواب العتق إنما عُلِم من جهته صلّى الله عليه وسلّم وعلى لسانه صلّى الله عليه وسلّم، ولأنّ العتق يقابله العتق من النّار، لما في الحديث الصحيح: "من أعتق رقبة.. أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه، حتى الفرج بالفرج" [رواه مسلم (1509)]، والسّلام عليه صلّى الله عليه وسلّم يقابله سلام الله تعالى على المصلّي عليه عشرًا، وسلامٌ من الله عزّ وجلّ أفضل من مئة ألف ألف ألف جنّة، فناهيك بها من منّة وأي مِنّة".

وقال ابن حجر: "ومن أسرارها وفوائدها أنّها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة، وسبب لرضا الله تعالى ولغشيان الرّحمة، وسبب للأمان من سخط الله تعالى وسبب للدخول تحت ظلّ العرش ولثقل الميزان والنّجاة من النار، وسبب للأمن من العطش يوم القيامة، ومنها أنّها تأخذ بيد من يعثر على الصّراط حتى يمرّ عليه، فقد أخرج جمع من طرق بعضها حسن عن عبد الرّحمن بن سمُرة رضي الله تعالى عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: "إنّي رأيت البارحة عجبًا، رأيت رجلًا من أمتي يزحف على الصّراط مرة ويحبو مرة ويتعلق مرة فجاءته صلاته عليّ فأخذت بيده، فأقامته على الصّراط حتى جاوزه" [أخرجه الطبراني في الأحاديث الطّوال (1\281) وابن عساكر في تاريخه (34\407) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7\182)]. ومن فوائدها وأسرارها أنّ من صلّى عليه صلّى الله عليه وسلّم في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنّة".
قلت: ما ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى من الأسرار والفوائد السابقة لم تثبت بحديث صحيح على حدّ اطلاعي وإنّما هي في الغالب ضعيفة، ولكنّ الحديث الضعيف يروى في فضائل الأعمال ويؤخذ به في مستحبات الأحكام ما لم يكن شديد الضعف، وشريطة أن يندرج تحت أصل من أصول الشريعة، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة، لذا ذكرها ابن حجر الهيتمي في الكتاب الذي بين أيدينا، وهو من هو في العلم والتقوى والورع، هذا وقد ذكر ابن حجر أنّ ابن القيّم ذكر هذه الفوائد بمجملها في كتابه "جلاء الأفهام" (335–344).
فاحرصوا، إخوتي الكرام وأخواتي الكريمات، على كثرة الصلاة على النبيّ صلوات الله وسلامه عليه، خصوصا في اليوم الأزهر، وهو يوم الجمعة، حيث تعرض الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ادع لنفسك ولإخوانك الرازحين تحت سياط الجور والظلم والطغيان، وعلى وجه الخصوص أهلنا في الشام، ولا تنساني من صالح دعائك إن شئت...
نفعني الله وإيّاك بكثرة الصلاة والسلام على نبيّه وقضى الله بها حوائجنا ورفع بها منازلنا وغفر لنا بها ذنوبنا وعصمنا وإيّاكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أضف تعقيب

ارسل

تعليقات


أذهب للأعلى