قانون رفع سن الزواج: انقاذ للمرأة ام زوبعة في فنجان؟

تقرير: عبد الله زيدان
آخر تحديث 09/03/2012 12:31

أكّد الشيخ الدكتور رائد فتحي، المحاضر في كلية الدعوة والعلوم الإسلامية في أم الفحم، أنّ قانون رفع سنّ الزواج يضر بمجتمعنا الفلسطيني في الداخل لدى كثير من العوائل التي تأتي من بنية ثقافية ونسيج اجتماعي ترى لأبنائها وبناتها منجاة في الزواج المُبكِّرِ.
وكانت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي قد صادقت الثلاثاء على اقتراح القانون القاضي برفع سن الزواج المسموح بحسب القانون الإسرائيلي من 17 إلى 18 سنة. وذلك بعد سنة من عرضه في المرة السابقة ورفضه من قبل "الكنيست".
ويشار إلى أن القانون تقدم به عدد من أعضاء الكنيست من بينهم: "دوف حنين" وكتلته الجبهة، وحنين زعبي من التجمع، و"يريف ليفين" من "الليكود"، و"زهافا غلؤون" من "ميرتس"، و"زوآرتس" من "كاديما".
وفي الجانب الشرعي في مسألة سنّ الزواج، قال الشيخ د. رائد فتحي لـ"صوت الحق والحرية" إنّ "العلماء أجمعوا على أنّ المرأة إذا بلغت فإنّه يجوزُ لوالدها أو لولي أمرها أن يزوجها، وأكثر من ذلك فإنّ فقهاء الأمة متفقون -ما خلا عدد قليل من الفقهاء أمثال ابن شبرمة- على أنّ لوليّ الأمر أن يزوّج ابنته الصغيرة غير البالغة.. ولكن دعنا نتكلم عن الفتاة البالغة.. فقد أجمعت الأمة على حق الولي أن يُزوِّجَ ابنته البالغة من الكفؤ، وإذا لم يُزوجها من الكفؤ فإنّ لها أن تفسخ العقدَ بأمر القاضي حتى يزوجها أبوها من الكفؤ قبل الدخول".

رفع سنّ الزواج يضرّ بالمجتمع
وأضاف: "أما مسألة رفع سنّ الزواج فهذا لا علاقة له بالجانب الشرعي، وكنت من قبل قد تكلمت في أكثر من ندوة حوارية حول هذه المسألة، وذكرت أن رفع سن الزواج يضر بمجتمعنا الفلسطيني في الداخل لدى كثير من العوائل التي تأتي من بنية ثقافية ونسيج اجتماعي ترى لأبنائها وبناتها منجاة في الزواج المبكر، لأنّ بعض الفتيات تربى في بيوت فيها العلاقات بين الزوج والزوجة مشتتةٌ، أو أن يكون الأب مدمنَ مخدرات أو متعاطيا للكحول، فبقاء هذه الفتاة إلى سن الثامنة عشرة في بيت والديها يضر بها ويُعدّ جحيما لها. ولا شكَ أنّه في مثل هذه الحالة فإن الزواج يُعدّ خلاصا للفتاة، هذا الأمر الأول، أما النقطة الثانية، فهي أنّ الحرية لا تُقيّد إلا بنصٍ شرعيّ من القرآن والسنة، لأنّ الأصل أنّ الناس أحرار في تصرفاتِهم وفي عقودهم، أنا أقول: نعم؛ من حقّ الإمام ومن حق السلطان الأعظم أو من ينوب عنه ومن حق إمام المسلمين أن يخصص الحرية العامة بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ولكنني لا أرى مخصوصة في تقييد هذه الحرية، ولا أرى مصلحة في رفع سن الزواج من السابعَة عشرة إلى الثامنة عشرة، بل أرى أن الفتاة في سن السابعة عشرة بالغة ناضجة قادرة على اختيار زوجها وعلى إنشاء بيتٍ على أن تكون مستقلةً في بيتها".
واستطرد قائلًا: "إذا كنا نُؤمِّنُ الشاب أو الفتاة على أرواح البشر، وذلك عندما نعطيه رخصة سياقة السيارة في سن السادسة عشرة، فمن باب أولى أن أستأمنه على اختيار شريكِ حياته".
وقال: "ثمّ إنّ رفع الحد الأدنى لسنّ الزواج قد تكون فيه دعوة إلى أن يبدأ الشاب أو الفتاة بالتفكير في علاقة -ولو كانت علاقات غير كاملة متكاملة- خارج رابطة الزوجية، ونحن لسنا نقول بالضرورة بأن الزواج معناه انتقال الفتاة إلى بيت الزوجية، فقد تكون الفتاة متزوجة من زوجٍ معين (بالعقد الشرعي) ومع ذلك فهي في بيت أهلها أو في بيت زوجها".
وخلص إلى القول: "أرى أنّ هذا القانون الذي بدأ في المحاكم الشرعية وهو ما ينتقل الآن إلى أروقة المؤسسة الإسرائيلية، لا يأتي بخيرٍ للمجتمع الفلسطيني في الداخل، إنّما هو قانون من شأنه أن يضرّ بكثير من العوائل التي تعيش مستوياتٍ من الفقر أو مستوياتٍ من الحاجة إلى تثقيف وتوعية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي، وأرى في هذا القانون نوعا من المخالفة للنصوص الشرعية. وأعلم أنّ كثيرين من أهل العلم في الداخل مع كلّ أسف يروْنَ جوازَ رفع سن الزواجِ، لكني أخالفهم تماما في هذه المسألة".

تناقضات ومغالطات في قانون رفع سن الزواج
وقالت الأستاذة ليلى غليون، رئيسة تحرير مجلة إشراقة، إن "السعي الحثيث لرفع السنّ الأدنى للزواج المسموح به للفتاة من سن 17 سنة إلى 18 ومن ثم المصادقة على هذا القانون، ليس جديدا ولا هو بالغريب. فقد قدمت لجنة العمل والمساواة في قضايا الأحوال الشخصية قبل سنوات قليلة دعوة جماهيرية لمساندة حملتها الداعية إلى رفع سن الزواج، حيث جرى التصويت في حينها على تعديل سنّ الزواج في القراءة التمهيدية في الكنيست".
وأضافت: "هذه المسألة ليست وليدة اليوم ولا وليدة الساعة وليست من فراغ، ولا أحسبها إلا استمرارًا لمسلسل افتعال القضايا، ابتداء بما يسمى قضية المرأة وانتهاء بمئات التوصيات والقرارات المنبثقة عن لجان المرأة في الأمم المتحدة، التي يتم تمريرها إلى الدول الأعضاء لتطبيقها في مجتمعاتها بغض النظر عن ملاءمتها أو عدم ملاءمتها لثقافة وهوية تلك المجتمعات".
وأكّدت أنّ "هذه القضية مُبرمجة وصرفت لأجلها الأموال والجهود والأوقات، وتحمل الكثير من المغالطات والتناقضات في مضامينها، الأمر الذي يضع ألف علامة سؤال حولها".

مضحكٌ ومبكٍ
وتساءلت: "أليس من المضحك والمبكي معا إطلاق اسم "زواج الأطفال" على زواج الفتاة في سن 17، لا بل اعتبار هذا الزواج مأساة في حق الفتاة، وفي نفس الوقت يُعدّ جسد الفتاة ملكها وحدها ولها حرية التصرف فيه كيفما تشاء في الوقت الذي تشاء، ولا يحق لأي شخص -مهما كان- التحكم فيها ولا بميولها الجنسية، حتى لو كان والدها أو والدتها، بل من حقها أن تشتكي أبويها إن هما ضايقاها وتدخلا في حريتها الشخصية؟".

الإباحية الجنسية
وأضافت: "أليس من مضحكات هذه القضية اعتبار زواج الفتاة في سن 17 يؤثر على صحتها النفسية والجسمية بسبب الحمل والولادة، فإذا كان الأمر كذلك، فماذا تعني المطالبة بحق المرأة أو الفتاه بحرية جنسية آمنه مع من تشاء، في أي سن تشاء، وليس بالضرورة في إطار الزواج الشرعي مع تقرير الإباحية الجنسية، وإلزام الدول بالموافقة على ذلك؟ بل ماذا تعني المطالبة بحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم دون إدانة حمل السفاح، بالإضافة إلى سن قوانين للتعامل مع حمل السفاح وتخيير الفتاة بين رغبتها في الإجهاض أو إبقاء الحمل؟
أعتقد أنه لا يخفى على كل ذي عقل وبصيرة أن المصادقة على مثل هذا القانون في قضية ما يسمى "زواج الأطفال" أو "الزواج المبكر" يفقد مصداقيته أمام هذه الحقائق المرعبة والمخاطر التي تنخر في قلب مجتمعاتنا، ويجب أن تتكاتف كل الجهات وتتضافر كل الجهود لصد هذه الهجمات الثقافية المسعورة التي تستهدفنا، ولهذا فإني أتوجه إلى كل من تقدم بهذا القانون من أبناء جلدتنا أنّ الأوْلى أن تُصرف جهودكم وأوقاتكم في محاربة وسائل الفساد التي هبطت بالمرأة إلى الحضيض وجعلتها سلعة تباع وتشترى، وكان الأولى بكم توعيتها للرقي بها إلى أعلى مراتب العلم والمعرفة، وكان الأولى بكم إطلاق حملات مكثفة لتوعية الفتاة في كيفية إنشاء أسرة تُبنى دعائمها على أسس قوية، بحيث يجري تأهيلها مع تقديم النصح والإرشاد في فن التعامل الزوجي وتربية الأبناء.
بل كان الأوْلى بكم أن تكونوا واقعيين محيطين بهذا الواقع المحرق الذي يعيشه شبابنا وبناتنا، وألا تدفنوا رؤوسكم بالرمال؛ فلا تبصروا الصورة المظلمة للعديد من الفتيات والشباب في كافة المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، ممن تنتشر العلاقات والغراميات بينهم، أم أن هذا في عرفكم عادي ومسموح به، بينما الزواج ممنوع وغير مقبول!
كان الأوْلى بكم أن تقفوا جبهة صد وردع أمام آلاف الدعوات التي تهدف إلى إشعال ثورة جنسية عارمة في المجتمع وإشباع الرغبات بأي وسيلة ولو بالشذوذ ومفرداته".

عاصفة في فنجان؟
وخلصت إلى القول: "وفي نهاية المطاف لا يسعنا إلا أن نقول وبصوت عال إنّ إقرار هذا القانون مليء بالتناقضات والمغالطات، وليس خدمة لمجتمعاتنا، الأمر يدعونا لمراجعة واقعنا الذي نحياه، ونتساءل: ما حقيقة هذه القضية التي يطلقون عليها "الزواج المبكر" وكم تقدّر نسبتها في المجتمع؟ وهل هي فعلا ظاهرة؟ وهل هناك فتيات قدمن الشكوى والاحتجاج على زواجهن؟ وكم يبلغ عددهن إن كان الأمر كذلك؟ أم أن المسألة لا تتعدى كونها زوبعة في فنجان؟".


ما هي "لجنة العمل والمساواة في قضايا الأحوال الشخصية"؟
عندما تتحدث جمعيات نسوية عن المساواة في قضايا الأحوال الشخصية، فإنّ الخطاب يُقرأ من عنوانه. وممارسات هذه اللجنة على أرض الواقع تدل على أنها تسعى لتحييد الحقوق التي حددها الشرع الإسلامي في الأحوال الشخصية للرجل والمرأة واستبدالها بقوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان... ناهيك عن كون هذه القوانين إسرائيلية... وهذا لوحده يجب أن يضيء ألف ضوء أحمر.
في تعريفها بنفسها على موقعها على الشبكة العنكبوتية تقول: "تشكلت لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية بمبادرة مجموعة من الجمعيات العاملة في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان ومحاميات ومحامين وعاملات وعاملين اجتماعيين ذوي اهتمام بالنهوض بمكانة المرأة، بالأخص بما يتعلق في قضايا الأحوال الشخصية".
والحديث عن "النهوض بمكانة المرأة" لا يعني بالنسبة إلى هذه الجمعية إعادة الحقوق التي أقرها الإسلام للمرأة ثم حرمت منها بسبب عدم التزام المجتمع بتعاليم الإسلام، ودخول عادات وتقاليد بالية على حياة الناس، وإنما يعني ضرب هذه التعاليم بعرض الحائط ومنح المرأة نفس حقوق الرجل ومناصفته في كل شيء.
ولهذا تقول اللجنة إنها:
"تهدف.. إلى محاربة التمييز الحاصل في حق المرأة، وانتقاص حقوقها في مجمل قضايا الأحوال الشخصية. وعليه، تعمل اللجنة على تسليط الضوء والكشف عن مسببات ظواهر اجتماعية سلبية مثل تزويج الأطفال وتعدد الزوجات والزواج القسريّ والطلاق التّعسفيّ، والعمل على تقليصها والقضاء عليها".
ثم تقول: "تنطلق اللجنة من إيمانها بوجود حاجة ماسّة للعمل الجاد على مستويات مختلفة، لخلق الوعي بضرورة إيجاد حلول لمعالجة هذه المشاكل والتحديات في اتجاه يضمن حقوق النساء العربيات في العائلة والمجتمع".
ولهذا لم تجد اللجنة أفضل من الكنيست الإسرائيلي كي "يساعدها في إيجاد حلول لمعالجة هذه التحديات" ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم يكفي هذا التدليس حينما تقول اللجنة إن رؤيتها هي: "تبنّي نظام أحوال شخصية مبني على مبدأ: المساواة، حرية الاختيار، حرية العقيدة".
فما هي المساواة التي يقصدونها؟ وما هي حرية الاختيار عندهم؟ وما علاقة حرية العقيدة بالأحوال الشخصية؟
ثم يكفي أنْ تعلم أنّ هؤلاء النسوة علمانيات، وقسم كبير منهن غير مسلمات، لكنهن –يا للعجب- يقحمن أنفسهن في الإسلام وشرائعه وتشريعاته. وقد سبق لهن وعقدن مؤتمرات أعلنّ فيها موقفهن وما يحملنه من أفكار عن الشريعة الإسلامية؛ تارة بالتلميح وتارة بالتصريح.
أما الأجندة التي تنفذها اللجنة فهي مرتبطة بطبيعة الحال بالجهات الممولة... وعن هذا حدِّثْ ولا حرج.

أضف تعقيب

ارسل

تعليقات

1
الزواج المبكر
بوركتم
أحلام محمد - 09/03/2012
2
سن الزواج
لعل هذه الحكومة تظن بان مثل هذه القوانين تزعزع ايماننا بمبادئنا وتجعل نفسها امام ابنائنا وبناتنا انها الام الرؤوم التي تبحث عن مصلحة ابنائها ونحن نقول لا بورك فيكم ولا بقوانينكم التي لا تدل الا على ان ما تبحثون عنه هو زيادة الفساد في المجتمع الاسلامي والعربي ونحن نؤمن بان الزواج المبكر هو الاصلح لابنائنا وبناتنا ويجب على الاهل توعية ابنائهم وبناتهم حتي يكونوا على استعداد ومسؤولية لتاسيس اسرة ونقول لهؤلاء (ان قوانينكم مردودة عليكم *) وبارك الله فيك استاذي وشيخي الفاضل وفتح الله عليك
ايمان حسن محاجنة - 12/03/2012
3
سن الزواج
اريد ان اضيف بالنسبة لمن يؤيد هذا القانون بحجة ارتفاع نسبة الطلاق واقول ان السبب ليس محصورا عند الفتيات ما دون سن الثامنة عشر وانما نسبة الطلاق مرتفعة عند ما فوق هذا السن واقول بان من اسباب ارتفاع نسبة الطلاق هي غياب الوازع الديني فقد قال صلى الله عليه وسلم اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير وقال عليه الصلاة والسلام فاظفر بذات الدين تربت يداك واليوم الكثير من يختار للمال او للجمال عل حساب الدين
ايمان حسن محاجنة - 12/03/2012

أذهب للأعلى