شاعر الثورة الفلسطينية أبو عرب يعود إلى السجرة

غادر البلاد الخميس شاعر الثورة الفلسطينية أبو عرب عائدا إلى مخيم حمص للاجئين الفلسطينيين بعد زيارة إلى مناطق الضفة الغربية استمرت نحو عشرة أيام شارك فيها في فعاليات مهرجان الثقافة الفلسطينية، ثم قام ولأول مرة منذ العام 1948 بزيارة إلى الداخل الفلسطيني شملت زيارات لمدن طبريا وحيفا وعكا.
ويوم الأربعاء الماضي قام إبراهيم الصالح المشهور بكنيته "أبوعرب" بزيارة إلى مسقط رأسه قرية السجرة قضاء طبريا. وقام بمرافقته وفد كبير من أقاربه من قريتي كفركنا وعرابة البطوف، وعدد كبير من مهجري السجرة من قرى طرعان وكفركنا ومدينة الناصرة.
وكان أبو عرب قد زار مدينة طبريا يوم الثلاثاء الماضي برفقة مضيفه الاستاذ واصل طه رئيس حزب التجمع ورئيس مجلس كفركنا المحلي الأسبق.
ومنذ وطئت قدما أبو عرب أرض مسقط رأسه السجرة بدأ بتعريف الحضور على معالمها المدمرة منذ 64 عاما، رغم أن أبو عرب هجر من السجرة وعمره سنة التهجير لم يتجاوز ال17 عاما لكنه لا يزال يحتفظ بذاكرة قوية وغنية جدا أذهلت الحضور، حتى أن أحدهم شبهه بحاسوب يلبس الحطة والعقال.
ومن عين السجرة التي ما تزال تزخر بالمياه العذبة، ينزل إليها بسلم فيه 42 د رجة تحت الأرض، بدأ أبو عرب يشير بيديه: هنا كانت المدرسة وهنا كان المسجد وهناك كانت الكنيسة –شمالي موقع العين والى الغرب منها– وبعد السير عدة أمتار جنوبي العين بدأ أبو عرب يشير إلى مواقع بيوت جيرانه من أهالي السجرة معددا أسماءهم واحدا بعد الآخر، ثم ذكر أسماء الشهداء من أهالي السجرة الذين استشهدوا في معارك السجرة خلال الدفاع عنها أمام العصابات الصهيونية. وبالقرب من العين أنشد أبو عرب إحدى أناشيده الوطنية بمشاركة الحضور قال :
أطفالنا بحب الوطن رضعوا حليب المرجلة
لو طال ليلك يا زمن لا بد صبحك ينجلي
لا بد عن ساعة فرج لابد صبحك ينبلج
لأعمل من ضلوعي درج حتى رفاقي تعتلي
لاصبر على مر الزمن وأتخطى لكل المحن
واللي يساوم عالوطن لأدوس جدو الأولي
ولاقت هذه الأنشودة إعجاب الحضور الذين طالبوا بإنشادها مرة ثانية بمشاركتهم.
وبعد السير عشرات الأمتار غربي عين السجرة أشار أبو عرب إلى كومة حجارة وقال : هنا كان بيت عائلة سليم العلي وهنا تربى ابنه المرحوم الرسام ناجي العلي، وهنا المعصرة ... وهنا أستشهد فلان وفلان –وعدد أسماء شهداء من أهالي السجرة- وذكر تاريخ الاستشهاد لأقارب عدد من الحاضرين حوله من مهجري السجرة الذين استمعوا بهدوء لكل كلماته وملاحظاته القيمة .
وعندما سئل أبو عرب: هل تفضل دولتين لشعبين، دولة للعرب في الضفة الغربية وقطاع غزة ودولة إسرائيل في حدود عام 1948 ؟ أجاب أبو عرب: دولة للفلسطينيين بدون حيفا ويافا وطبريا وغيرها من زهرات المدن ليست بدولة!!! .
واستمر أبو عرب في سيره في طرقات مسقط رأسه السجرة المدمرة والجميع يسيرون معه ويتحلقون حوله كلما توقف ليرشدهم إلى معلم لبيت عائلة من أقاربهم الذين هجروا قسرا من بلدهم بعد معارك طاحنة استمرت منذ صدور قرار التقسيم في 29\11\1947 وحتى سقوط السجرة وجارتها لوبية في 17 تموز 1948 وكان أهلها قد هجروها قبل أيام من احتلال العصابات الصهيونية لها ، وبعدما شاركت قوات من (جيش الإنقاذ) في الدفاع عنها ومساعدة أهلها الذين تلقوا العون والمساعدة من مجاهدين فقدموا للدفاع عنها من الناصرة وقرى القضاء: عين ماهل ، كفركنا ، طرعان ،عرب الصبيح ودبورية .
وخلال جولته وزيارته إلى كفركنا والسجرة ألقى أبو عرب بعض قصائده وخاصة في رثاء شهداء النضال الفلسطيني قبل صفقة أوسلو في العام 1993 .
ويذكر أن أبو عرب لما وصل إلى قرية كفركنا توجه مع مضيفيه إلى البيت الذي سكن فيه مع أهله (دار أمين نحلة) ولما شاهدته الحاجة أم فتحي وسلفتها الحاجة أم نهار تعرفتا عليه في الحال: (أجا إبراهيم) ورحبتا به وبمن أوصله إلى منزلهم.
وذكر أبو عرب أن والده توفي خلال لجوئهم في كفركنا ودفن في مقبرتها _ وقد
زار قبره وقرأ الفاتحة على روحه.
وبعد اللجوء ثلاثة شهور في كفركنا –يحدث أبو عرب– استأجرنا شاحنة وحملنا أغراضنا وانتقلنا إلى قرية عرابة البطوف ولجأنا هناك لمدة خمسة شهور وكان معنا أقاربنا عائلة المرحوم سليم العلي ومعهم ابنهم الفتى ناجي العلي الذي اشتهر فيما بعد برسوماته الكاريكاتورية، وبعد معركة مجد الكروم بين جيش الإنقاذ والعصابات الصهيونية، كانت دوريات من الجيش الاسرائيلي تصل إلى قرية عرابة البطوف وتسأل إذا ما كان هناك لاجئون من السجرة ولوبية وعرب الصبيح ؟!!
لذلك –يستطرد أبو عرب– استأجرنا سيارة شحن وحملنا أغراضنا وانتقلنا إلى قرية بنت جبيل في جنوب لبنان، وهناك كنا نشتري تنكة الماء بعشرة قروش فلسطيني. ثم توجه إلينا مندوب عن الصليب الأحمر وطلب منا الانتقال إلى مخيم عين الحلوة قرب صيدا، وأحضروا سيارة "باص" نقلتنا إلى صور، وثاني يوم واصلنا السفر إلى صيدا وفي مخيم عين الحلوة تجمع معظم أهالي السجرة ممن هجروا إلى لبنان . ولما علمنا بوجود أعمامي وأخواتي في مخيم اللاجئين في حمص انتقلنا إلى هناك في ربيع العام 1949 ومنذ ذلك الوقت ونحن نعيش هناك في اللجوء والشتات مع أهلنا.