دماء الأبرياء سواسية كأسنان المشط

الشيخ رائد صلاح - رئيس الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني
آخر تحديث 31/03/2016 23:24

لقد وضع الإسلام الأحساب والأنساب ولم يجعل لها في ميزان التفاضل نصيباً ، وحطم العصبية والجنس ولم يجعل لهما شأناً ، وأقام التفاضل على التقوى والعمل الصالح ، وجعل التفاخر بالأحساب والأنساب والعصبيات والأجناس والألوان عملاً جاهلياً ليس من الإسلام في شيء ، وفي ذلك كله يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد وإنما أنتم ولد آدم ، طف الصاع لم تملأه ، ليس لأحد فضل على أحد إلا بالدين أو عمل صالح) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (أنظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (إن الله عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، الناس بنو آدم وآدم من تراب ، مؤمن تقي وفاجر شقي ، لينتهين أقوام يفاخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (من قتل تحت راية عمية يغضب للعصبية ويقاتل للعصبية فليس من أمتي) .
وفق هذه الأحاديث النبوية الشريفة يؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم إن البشر أبناء رجل واحد وإمرأة واحدة (... وإنما أنتم ولد آدم) ، وإذا كانوا كذلك فإن وحدة أصلهم ترشحهم إلى المساواة في حقوقهم وواجباتهم ومسؤوليتاهم ، فلا فضل لرجل على رجل إلا بالتقوى (.. ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) ، وهذا يعني أن الإسلام جاء لتحرير البشرية من الاحتكام إلى ميزان الجنس لأجل الجنس ، أو الاحتكام إلى ميزان اللون لأجل اللون ، أو الاحتكام إلى ميزان العصبية لأجل العصبية ، في التفاضل بين الناس ، كما أنتجت ذلك (الحضارة الجاهلية بقيمها) التي تقود البشرية اليوم بالنار والحديد وبدافع المصالح النفعية والاقتصادية والتوسعية الاستعمارية وبسط النفوذ والسيطرة وإملاء القرارات على الآخرين ، كما فرضت ذلك إنجليترا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا على أبناء مستعمراتها ذات يوم ، وكما فرض ذلك الاتحاد السوفياتي على رعايا إمبراطوريته التي نجحت أن تصل إلى القمر على حساب إهدار إنسانية الإنسان وإبادة الملايين من الشعوب الأخرى ، وكما كانت ولا تزال تفرض ذلك أمريكا ومن يدور في فلكها ، وكما فرضت ذلك ألمانيا وحلفها النازي المشؤوم على سائر الأجناس البشرية ذات يوم ، وكما تحاول أن تفرض ذلك الصهيونية العالمية اليوم على أهل الأرض بإدعاء أنها هي وأتباعها هم شعب الله المختار وما سواهم قطعان من الأمميين لا قيمة لهم وفق (التلمود) مرجع الصهيونية العالمية الوحيد ، وكما تحاول ان تفرض ذلك اليوم ايران بأحلامها الفارسية متسترة بالدفاع عن آل البيت والمذهب الشيعي، وكما تحاول ان تفرض ذلك اليوم روسيا بأحلامها القيصيرية متجاهلة قول الشاعر الحكيم: (وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر). جاء الاسلام ليحرر البشرية من ويلات كل هذه الموازين الجاهلية ومن نتائجها الكارثية التي اسقطتها على البشرية، وجاء ليؤكد في المقابل أن ميزان التفاضل هو التقوى والعمل الصالح، والا فان الناس سواسية كأسنان المشط. وعلى هذا الاساس جاء الاسلام ليقرر المساواة بين بني البشرية جميعاً، ويفرضها على المسلمين فرضا في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)- الحجرات:13- ، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الناس سواسية كأسنان المشط الواحد لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى)، فان من الواضح وفق هذه الآية القرآنية الكريمة ووفق هذا الحديث الشريف أن الاسلام فرض المساواة بصفة مطلقة ، فلا قيود ولا استثناءات، وانه فرض المساواة على الناس كافة أي على العالم كله، فلا فضل لفرد على فرد، ولا لجماعة على جماعة، ولا لجنس على جنس، ولا للون على لون، ولا لسيد على مسود، ولا لحاكم على محكوم، وهذه الآية القرآنية تذكر الناس انهم خلقوا من اصل واحد من ذكر وأنثى، ولا تفاضل اذا تساوت الأصول وانما مساواة، ثم اذا كان هناك تفاضل فبالتقوى، وهذا الحديث الشريف يذكر الناس انهم جميعاً ينتمون لرجل واحد فهم إخوة متساوون، ويشبههم في تساويهم بأسنان المشط الواحد، وما تفضل سن المشط سنه الأخرى بحال. واذا كان الناس في ميزان الاسلام سواسية كأسنان المشط فهذا يقتضي ان تكون دماؤوهم البريئة سواسية كأسنان المشط، لا فضل لدم بريء على دم بريء آخر، سواء كان صاحب الدم عربيا أو أعجمياً، وسواء كان ابيض أو أسود أو احمر او اصفر، وسواء كان شرقيا او غربياً، وسواء كان حضرياً او بدوياً ،وسواء كان رجلاً او امرأة ، وسواء كان كبيراً او صغيراً، وعلى هذا الاساس قامت الحضارة الاسلامية تكرس مبدأ المساواة بين الناس ومبدأ المسواة في دمائهم كأنهم أسنان المشط، وعلى هذا الاساس نادى الفاروق عمر رضي الله عنه في كل الناس عندما قال : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا)، وعلى هذا الاساس يوم أن رفع قبطي من مصر مظلمته الى الفاروق عمر رضي الله عنه لأن ابن عمرو ابن العاص والي مصر ضربه ظلماً وعدوانا ما كان من الفاروق عمر الا ان يعطي الدرة لذلك القبطي، ثم امره ان يضرب بها ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه قائلاً له: إضرب ابن الاكرمين ولكن (الحضارة الجاهلية بقيمها) التي تقود البشرية اليوم قلبت الموازين وأهدرت حرمة الدماء يوم صنفت دماء أهل الأرض الى منازل وجعلت لكل منزلة فصيل دم منها قيمة تختلف عن قيمة المنازل الأخرى وهذا ما دفع الشاعر الحكيم ان يقول :
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر ---- وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر.
فان تسيل دماء مئات الأنفس يومياً في كل من فلسطين وسوريا والعراق واليمن ومصر وتونس وليبيا لا نكير على ذلك في ميزان هذه (الحضارة الجاهلية بقيمها) لا لسبب الا لان هذه الدماء هي دماء عربية، ويبدو أن قيمة هذه الدماء في القاع في سلم تدريج هذه الحضارة لفصائل الدماء، وان تسيل دماء مئات الانفس في تركيا شهرياً لا نكير على ذلك في ميزان هذه (الحضارة الجاهلية بقيمها ) لا لسبب الا لأن هذه الدماء هي دماء مسلمة، ويبدو أن قيمة هذه الدماء في القاع في سلم تدريج هذه الحضارة لفصائل الدماء، وان تسيل دماء عشرات الانفس المسيحية في باكستان قبل أيام لا نكير على ذلك في ميزان هذه (الحضارة الجاهلية بقيمها) لا لسبب الا لأن هذه الدماء هي دماء مسيحية غير غربية، ويبدو ان قيمة هذه الدماء في القاع في سلم تدريج هذه الحضارة لفصائل الدماء ، ولكن قامت الدنيا ولم تقعد عندما سالت دماء عشرات الانفس في فرنسا وبلجيكا في ميزان هذه (الحضارة الجاهلية بقيمها) ، لا لسبب إلا لأن هذه الدماء هي دماء غربية ، ويبدو أن قيمة هذه الدماء في القمة في سلم تدريج هذه الحضارة لفصائل الدماء ، وواقع الحال الذي نعيشه اليوم يؤكد ما أقول ، فها هو المشروع الصهيوني الذي كان ولا يزال يستبيح قتل شعبنا الفلسطيني وإسالة دمه لم يجد من القوى المتحكمة اليوم بهذه (الحضارة الجاهلية بقيمها) إلا الدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي للمشروع الصهيوني ، لا لسبب إلا لأن دماء شعبنا الفلسطيني هي دماء عربية في قاع السلم ، وها هي القوة الأمريكية ومن يدور في فلكها ، تقصف بطائراتها سوريا والعراق واليمن وباكستان وأفغانستان بذريعة مكافحة الإرهاب بعامة وداعش بخاصة ، وتقتل بلا توقف الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والعجائز وتسيل دماءهم ، وها هي القوة الروسية تقوم بنفس الدور في سوريا ، وها هي القوة الإيرانية تقوم بنفس الدور في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان ، وفي المقابل لم تجد كل هذه القوى من يقول لها : كفي عن سفك دماء الأبرياء من الشيوخ والعجائز والنساء والأطفال ، ولم تجد من يقول لها : إن دماء الأبرياء التي تسفكينها هي الإرهاب وإن كنت تَدَّعين محاربة الإرهاب ، وإن دعمك للسيسي حارق مصر ولبشار حارق سوريا هو الإرهاب وإن كنت تدعين محاربة الإرهاب ، وإن استنكارك للتفجيرات التي وقعت في فرنسا وبلجيكا وصمتك عن التفجيرات التي وقعت في تركيا هو الإرهاب ، وإن كنت تدعين مكافحة الإرهاب ، ولذلك فإن الأرض اليوم باتت تغرق في بحر من الدم وسط ليل من الإرهاب كانت ولا تزال هذه القوى المتحكمة اليوم بهذه (الحضارة الجاهلية بقيمها) هي المتسبب مما بات يعانيه أهل الأرض من ويلات هذا البحر من الدم وسط هذا الليل من الإرهاب ، ولأن البيان الذي أصدرته الحركة الإسلامية والذي كان بعنوان "دماء الأبرياء سواسية كأسنان المشط" ينطبق على مأساة البشرية اليوم فإنني أختم به مقالتي هذه حيث تقول فيه الحركة الإسلامية :
(( لقد عَلَّمنا الإسلام العظيم أن الناس سواسية كأسنان المشط ولا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى ، وإذا كانوا كأسنان المشط فإن دماءهم البريئة كأسنان المشط كذلك ، ولا ميزة لدم بريء على دم بريء آخر سواءً كان الدم أوروبياً أو عربياً ، وسواءً كان دماً أبيض أو دماً أسود ، وسواء كان دم رجل أو دم إمرأة أو دم شاب أو دم طفل ، ولكن حضارة النفعية والنفاق والظلم التي تقود البشرية اليوم قلبت الموازين ، فأن يُقتل المئات اليوم في فلسطين وسوريا ومصر واليمن وليبيا وتونس يومياً فهذا لا يعني شيئاً لأن الدم دم عربي ، وأن تقتل التفجيرات المئات من الأتراك في أنقرة واستنبول فهذا لا يعني شيئاً لأن الدم دم مسلم ، وأن تقتل التفجيرات العشرات من الباكستانيين المسيحين فهذا لا يعني شيئاً لأن الدم دم مسيحي غير غربي ، ولكن تقوم الدنيا ولا تقعد إذا قتلت التفجيرات العشرات من الغربيين .
لذلك في الوقت الذي نشجب فيه رافضين – نحن الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني – التفجيرات التي وقعت في فرنسا وبلجيكيا وتركيا وباكستان وفي بعض الدول العربية ، فإننا لنعجب من أبواق هذه الحضارة المفلسة التي ملأت الأرض ظلماً وجورا ، فهي التي تحارب الإرهاب إذا كانت عناصره من بعض أفراد مسلمين أو عرب ، وهي التي تسكت عن الإرهاب أو تدعمه وإن كان إرهاب دولة منظم إذا كانت عناصره إسرائيلية أو إيرانية أو روسية أو أمريكية أو أوروبية ، والأدلة على ما نقول لا تُعد ولا تحصى ، بل الأعجب من ذلك أن الدم البلجيكي ليس كالدم الفرنسي في موازين هذه الحضارة الجاهلية بقيمها ، فكم كان الفارق واضحاً بين رد فعلها على ضحايا تفجيرات فرنسا وضحايا تفجيرات بلجيكيا ، بل كم كان الفارق واضحاً بين رد فعلها على ضحايا تفجيرات أمريكيا وضحايا تفجيرات بريطانيا وأسبانيا من قبل ، ولذلك كم باتت هذه الحضارة العرجاء العوراء الصماء البكماء اليوم أشبه ما يكون بإمرأة عجوز شمطاء تجاوزت الثمانين عاماً ، ولكنها تحاول أن تخفي قبح تجاعيد وجهها بألف مكياج ومكياج ، وكم باتت البشرية اليوم بحاجة إلى المشروع الإسلامي الراشد الذي يملك وحده القيم الكفيلة أن تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجورا ، مع التأكيد مرة بعد مرة أن (داعش) ومن هم على شاكلتها هم أبعد ما يكون عن المشروع الإسلامي الراشد وهم عقبة كؤود في طريق هذا المشروع ، ولكن بغض النظر عمن يقف خلفها سيتجاوزها المشروع الإسلامي وسيمضي في طريقه قدماً نحو حرية البشرية وكرامتها وسعادتها)) .

أضف تعقيب

ارسل

تعليقات


أذهب للأعلى