قد يكون من الاسهل بالعموم الحياة مع الواقع بأكبر قدر ممكن من المبررات، المبررات بالعموم تعطي للحياة معان اخرى، وتهون على اصحابها التحايل على الحياة بأكبر قدر ممكن من "التحايل".
لم أزل عند قناعاتي حتى هذه اللحظة ان واحدا من ابرز الاساليب التي تم استعمالها لكسر الحواجز النفسية هو منحنا الشعور اننا حين نبرر فعل الاشياء حتى وان كانت خاطئة فإننا نفعل ذلك لانه لا مجال ولا مفر لنا.
لن يرحمنا التاريخ غدا وهو ينبش في أوراقنا، ومواقفنا، والكثير من تبريراتنا لمواقف، وسلوكيات كان من الممكن أن تكون أفضل.
في اللحظات الصعبة تكثر المراجعة ، غير أن ليس كل احد يجيد مراجعة النفس، هناك من يختار الاساليب السهلة والمريحة لتفسير الحالة، ويفضل الهروب من الحقيقة والواقع، لان الخوض في الواقع والحقيقة من شأنه ان يضعه تحت اسئلة وتساؤلات ومساءلات، بالنسبة له المسألة اسهل وافضل.
في مسألتين نحن أمام خطر حقيقي خلق وعي "القطيع" أو وعي "جلد الذات"، في الاول لا يحبذ توجيه أي نقد من أي نوع ، المشكلة ليست عندنا بل عند غيرنا، و"المؤامرة" أكبر من أن تسمح لنا حتى مجرد طرح اسئلة بسيطة للغاية، اسئلة طبيعية، مفهومة ضمنا.
في وعي "جلد الذات" وهو وعي "خائف" بالعموم، لا يخلو من الجبن والشعور بالنقص، توجه السهام تجاه ذاتنا وأنفسنا، بالمطلق.
واذا كانت هزيمة 1967 هي الحاضنة لوعي القطيع والمؤامرة، فإن احداث 11 ايلول هي التي طورت وعي "جلد الذات" و"الخوف" و"الشعور بالنقص".
في الاولى كل مشكلتنا عند الاستعمار، وفي الثانية كل المشكلة عندنا، في الاولى نحن لا نتحمل أية مسؤولية تجاه ما حدث ويحدث، في الثانية نحن نتحمل مسؤولية كل شيء، في الأولى يتحول القمع والقتل والبطش والدكتاتورية الى حالة من الوقوف في "مواجهة المؤامرة"، في الثانية يصبح التطرف والجهل وعدم القدرة على مخاطبة الاخرين والانفتاح وايصال الرسالة هي المشكلة، لا نحن في الاولى, ولا الاستعمار في الثانية، لكن في مسألة واحدة تتفق الحالتان، التبرير.
هل يمكن ان نوفق بين الحالتين؟، نحن نتحمل المسؤولية تجاه أنفسنا وغيرنا "يتآمر" علينا كذلك؟، الجواب نعم.
حوّلت هزيمة 1967 "المؤامرة" الى أيديولوجيا تناقلتها أجيال دون ان تسأل سؤالا واحدا حول حقيقة ما حصل عام 1967، وبخلاف ما يعتقد البعض فان أيديولوجيا المؤامرة صارت عربية بامتياز، لكل العرب بدون استثناء، لقد اعفت العرب من السؤال حول اسباب الهزائم المتتالية التي لحقت بهم، صحيح كان هناك تفاوت في التعامل مع مدى المؤامرة، لكنها عشعشت في النفس العربية وتمكنت منها.
واذا كان الرد على هزيمة عام 1967 وتفسيرها بـ"مؤامرة" قادها النظام العربي، فإن ردا آخرا جاء مشابها ما بعد "الربيع العربي" بعد انقلاب مصر الدموي، واذا كان هناك اتفاقا واجماعا على ان انقلاب الدم الذي قاده عبد الفتاح السيسي في مصر ضد الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي هو نتاج مشروع ، فان كثيرين لم يحسنوا تفسير حقيقة ما حصل في العالم العربي تونس ومصر وليبيا وسوريا، لقد كان اخفاق شديد في قراءة الواقع، ينم عن عدم دراية، لكنه وبدل ان تعاد الحسابات مع قراءة الواقع بعد النتائج المدمرة للربيع العربي، هربوا الى المؤامرة ليفسروا وبسرعة ما حدث، والامر ما زال قائما الى هذه اللحظة.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان هناك فرقا بين "عقدة المؤامرة" التي تستحضر في العادة كشماعة وكجزء من "العقلية والوعي العربي"، وبين المشاريع والمؤامرات القائمة فعلا، اللجوء الى الاولى مثلا هو الذي صعب من فهم الثانية والاقرار بها.
في الجهة المقابلة وبشكل ملفت للنظر جاء الرد على "عقد المؤامرة" باصدار شبه صك براءة للاستعمار، وهو تيار كانت حاضنته احداث 11 ايلول، وتفجير الابراج، بنيت على هذه الاحداث وفوقها، نظرية متكاملة اسست لسلوكية جديدة، عند الاسلاميين بشكل خاص، لانهم كانوا مستهدفين منذ اللحظة الاولى.
هذه المرة تم الهروب بالاتجاه المعاكس، حيث تم تبني مسؤولية ما حدث بالكامل، كانت احداث 11 ايلول اللحظة التي تم نسب الكثير من السلوكيات لها، مسائل الـ"تطرف" و"الانغلاق" و"غلق باب الاجتهاد" و"الظلامية"، ومنذ تلك اللحظة وحتى اليوم ما زال المشروع مستمر ومتواصل.
واذا كان اصحاب نظرية المؤامرة لم يوجهوا سؤال لذاتهم عن المسوؤلية، فإن اصحاب نظرية "اسلام لايت"، وجهوا كل المسؤولية الى انفسهم، ومن حيث يدرون او لا يدرون اعفوا المشروع الاستعماري من مسؤوليته تجاه ما حدث ويحدث، حيت صار مشروع "الاسلاميون الجدد" يتلخص في ربطة العنق ولون البدلة وشكل الظهور ولطافة الموقف من "الاخر" و"قبوله" طبعا، حتى آخر الاسطوانة.
ولعل من المدهش، ان اصحاب هذا الاتجاه لم يتناولوا ولو مرة واحدة حقيقة ما حدث في 11 ايلول، مرة واحدة، ولو من باب "الاطلاع" على الحقيقة، على الرغم (ويا للدهشة) أن من سموا احداث 11 ايلول ب"المؤامرة" هم الامريكيون والفرنسيون والالمان، الذين لا يتحدثون العربية.
ولم تفد كل الحقائق والافلام والوثائق التي صدرت حول الاحداث التي وجهت التاريخ من جديد،واصبح التعامل مع الحقيقة الاولى ،ان مسلمين متطرفين قاموا بتفجير الابراج هي الحقيقة الاهم التي يتم الاستناد عليها كامر مسلم به،والتي تبعا لها تم احتلال افغانستان وتفكيك العالم العربي وتدميره، وكان شيئا لم يحدث اصلا.
بين اتجاهين متناقضين تسير الحالة العربية،أي العقلية،التي يتمترس كل طرف في مكانه ويرفض حتى مجرد التفكير باعادة النظر،بالتقييم،بالقراءة من جديد،ليفهم ان هناك طريق ثالثة،تؤكد ان لدينا مشكلة مع انفسنا ومع الاستعمار كذلك،وان عقدة "المؤامرة" من جهة،وعقد "الانفتاح على الاخر" كما يليق للبعض تسميتها،ما عادت قادرة على السير بنا خطوة الى الامام،هناك حالة وسطية تجمع بين الحالتين،بين ان نفهم ان هناك مشروع يستهدفنا هو مزيج من المؤامرات الحقيقية وليس الوهمية،وبين اننا نتحمل المسؤولية تجاه انفسنا،لنفهم على الاقل حقيقة ما يحدث وهذا اقل المطلوب بداية.
النصيحة الثانية: تحدث بأي شيء بداية
اذا كنت حاولت ان تجمع العائلة لنصف ساعة على الاقل بدون اجهزة هواتف او اية تقنية،حتى لو لم تقولوا شيئا،فقد نجحت في تجاوز الخطوة الاولى بنجاح.
اذا نجحتم في الحديث ولو على شاكلة "رموز"، او كلمات "متقاطعة"،مثل ان يقول احدكم،"شو الوضع؟.."،"كيف"،"ها"،"اه"،"نعم"،او حتى حرف واحد،او ابتسامة ولو بالقوة، فقد لا تصدق انك حققت انجازا،المهم ان تحاول.
الان عليك المواظبة يوميا على جلسة من هذا النوع، من 20 الى 30 دقيقة،لا تيأس الله بعينك، صحيح موسم الاعراس على الابواب والواجب ومعه النكد ،لكن عليك ان تحاول،ليس لديك خيار اخر،انا على يقين انك ستنجح،من حين لاخر حاول تحرير لسانك حتى تتحرر السنتهم،عليك طبعا ان تطرح مواضيع هي من اهتمامات اولادك وليس من اهتمامتك (كما يحدث معي في العادة)،حاول ان تتعرف على اهتمامتهم،حتى تكون جلسة معقولة.
في المرة القادمة سنقترح عليكم فعاليات مشتركة، حتى تبدأوا بالتعرف على بعض، قد يضحك البعض، غالبيتنا لا يعرفون افراد اسرتهم، المهم ان تحاولوا ، لا تيأسوا، في النهاية ستكون النتيجة رائعة.
اسبوعكم رائع وملئ بالخير، لا تنسونا من دعائكم.
أضف تعقيب