دائما عندما تنطلق تجربة جديدة، إطار، حزب أو هيئة، ينشغل من حولها بالتكهنات، والتخمين، الاصول والفروع، من اين اتت والى اين هي ذاهبة، ولعل أهم هذه الاسئلة هو: وهل هناك حاجة اصلا لحزب جديد؟؟
الاحزاب بالعموم منطبعة في الوعي الجماهيري العام كشيء سلبي للغاية، لأنها ترتبط بالوعود والمصالح والتصويت، والاقارب، والمناصب، شئنا أم أبينا، هذا هو واقع الحال.
من جهة اخرى وفي حقيقة الامر لا يمكن التغاضي عن الحقيقة الاهم، الاحزاب كانت وما زالت الى يومنا على الرغم من كل التغيرات على مدار عشرات السنين، الاطار الاكثر تأثيرا سياسيا، على المجتمعات، بالذات عندما تقود دولا او مجتمعات.
الحزب ليس كلمة سيئة، السيء هو ما يقوم به من يقف خلفه، والعكس صحيح، الحزب والحركة والاطار مهمة دائما للعمل الجماعي، بالذات في المجتمعات التي لا تؤثر كثيرا على مجرى الحياة والسياسة والاقتصاد، المجتمعات الهامشية، مثلنا الفلسطينيين هنا في الداخل.
سيبقى النقاش قائما بشأن قوة التأثير ومدى التأثير، المكان الذي ينشط منه وبه الحزب، البيئة، والمؤسسة، هذا هو أهم سؤال ما دام سؤال الحاجة والضرورة محسوما.
والحزبية ليست منقصة، المشكلة في التحزب، وهذا الكلام لم نكتبه اليوم، لقد كتبناه وكررناه هنا عشرات المرات، لأنه يعبر عن قناعة.
الاحزاب الجديدة بالعموم تحمل احلاما كبيرة، فكيف اذا كانت الحالة السياسية تعيسة للغاية، وهي تخصنا جميعا ولا تخص طرفا بعينه، ترتفع التوقعات فوق السقف، عندما تجتمع حالتين على حزب تصبح مهمته ثقيلة وصعبة، لكنها ليست مستحيلة، بالإمكان أن تفعل شيئا, بل وشيئا كبيرا، اذا امتلكت ثلاثة عناصر، المشروع والارادة والتواصل مع الناس.
قوة الحزب الجديد لا تكمن في شخصياته فحسب، وهي مسألة مهمة، قوته تكمن في ان لا يبقى عند عناصر المفاجأة، والاهم ان لا يعتاش على حضور اعلامي، هو مهم في اللحظات الاولى، لكنه خطير اذا تحول الى العنصر الاهم، على المدى البعيد.
الحضور الاعلامي مؤخرا، يكاد يكون الماهية والجوهر للعمل السياسي في الداخل، المهمة الاصعب اليوم هي العودة للجماهير، التواصل مع الناس، تحييد “الحالة الاعلامية” كماهية وجوهر.
يحتاج الحزب الجديد اولا الى اعادة ترميم الحالة السياسية، الى طرح ما هو جديد، في العمل اولا، في التواجد بين الناس، في حمل همهم ،التجربة تقول انه ليس هناك مسألة مهمة في حياة الناس مثل حمل همهم، بدون ذلك لن تكتب لأي حزب اية حياة، الاحزاب الجديدة بشكل خاص تحتاج الى جهد مضاعف، والى حركة دؤوبة ومتواصلة، والى قدرة على الاستيعاب، طبعا وقبل كل شيء، ليس بثمن أي مبدأ يحمله الحزب.
من الخطأ في التفكير السياسي اعتبار “المبادئ” عالة على الناس، بالعكس تماما عندما تحافظ وتلتزم وتصمم على الالتزام بمبادئك مهما كانت “ثقيلة” بنظرك، فان هذا يزيد من تقدير الناس واحترامهم لك، كل من باعوا مبادئهم مقابل مصالح اخرى ضاعوا، فلا المبادئ حفظوا ولا المصالح الموهومة حصلوا عليها.
من الخطأ الاعتقاد ان مبادئك “الثقيلة” عائق لوصول الناس، اذا لم تستطع وصول الناس فمرد ذلك انك لم تحسن التوفيق بين مبادئك والوصول الى الناس، اياك ان تعتقد ان الوصول الى الناس مرده الى مبادئك الثقيلة.
من الممكن ومن الوارد ان لا يوافقك الناس، فهذه سنة الله في خلقه، من الوارد ان يحاربك البعض، فهذا امر عادي للغاية، المشكلة تكمن عندما تعتقد انك “مثقلها”شوية، والمسألة تحتاج الى “لحلحة” و”فهلوة”، تستطيع ان تحفظ مبادئك والعمل مع الناس ومع كل اطار او حزب او هيئة، دون ان تتنازل عن شيء.
الاحزاب الجديدة تحتاج الى نفس طويل وعميق كذلك، طويل لان الطريق تحتاج ذلك، وعميق لأنها تحتاج الى هدوء نفسي لفهم ما يدور حولها بداية، هذه مسائل مهمة جدا، لا يمكن الاستغناء عنها بتاتا.
الاحزاب الجديدة تحتاج للتصرف على اساس اصيل، أي هي كما تؤمن، وعليها الحذر للغاية من الاعتقاد انها تحتاج الى “شهادات حسن سلوك” لنيل اعجاب من حولها، وان لا تسمح لنفسها ولو للحظة واحدة في التفكير بعقلية “دونية”، الذي سيقرر “صورتك” التي تخشى عليها، وهو امر صحي، هي مبادئك وعملك وتواصلك واستيعابك ومثابرتك وصدقك وشفافيتك، وعدم الانشغال بالضغينة والتآمر، هذا ما سيقرر في النهاية.
عندنا نحن العرب في هذه البلاد لا يمكن تجاوز “عقدة العقد”، الاعلام الاسرائيلي، كيف نكون وكيف نصله وكيف نخترقه، اسئلة شرعية للغاية.
لكن حتى الآن لم نسأل ولو لمرة واحدة، أي نحن العرب، على الرغم من كل المحاولات وكل الردح، والرغبة الجامحة للوصول الى الاسرائيليين عبر الاعلام لماذا خابت كل محاولاتنا بالفشل؟؟
الجواب ببساطة متناهية، السبب هو الاعلام الاسرائيلي، هذا كلام لا نقوله كفرضية، بخلاف ما يعتقد البعض، هناك الكثير من القدرات العربية المميزة القادرة على ايصال رسائلها، لغة ومضمونا (اؤكد على لغة هنا للعقدة التي ترفقنا بشأن العبرية و”فنون” الحديث بها)، لكن الاعلام الاسرائيلي لم يتح لهم ولم يمنحهم اية فرصة.
منذ سنوات لم نتحدث مع الاعلام الاسرائيلي (اقصد انا شخصيا)، السبب بسيط للغاية، لأنه يستضيفنا على اساس اننا “متهمون”، او ان علينا ان نثبت اننا لسنا كذلك، فتكون النتيجة مريعة كما نعلم.
المشكلة لا تكمن في “خوف” من الاعلام الاسرائيلي، بالعكس تماما، المشكلة لا تكمن في عدم اجادتنا للعبرية (وهي عقدة قبل ان تكون مشكلة واقولها بأسف)، بالعكس تماما، لدى عدد كبير من العرب القدرة على التعبير بعبرية افضل بكثير من قطاع كبير من الاسرائيليين، ولديهم الكثير مما يقولون.
المشكلة تكمن في الاعلام الاسرائيلي، ولدينا نحن العرب تكمن في ان هناك قطاع واسع جدا، يطالب العرب بالحديث بدون “سياسة”.
ومع ذلك لا باس إذا كانت هناك فائدة ترجى (وانا لا اعرفها في الحديث مع الاعلام العبري، الذي يكن الكراهية للعرب).
تكنولوجيا الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي قد تحول أي حزب او شخص طبعا، الى شيء غير اعتيادي، فوق العادة، وقد تخلق “خديعة” يتستر بها شيء وهمي للغاية.
الجيل الجديد يحب الشبكة، ويعتقد ان الواقع يعيش هناك، ولا نكتشف جديدا اذا قلنا ان الشبكة اعادت صياغة مفهوم العمل والنضال والعطاء، من الضروري ان ينتبه من لديه مشروع لخدمة شعبه ان الشبكة “خادعة” وفي كثير من الاحيان “وهمية” عدا عن انها لا توفر الكذب والاشاعة.
وسيسال ذات السؤال هل نترك الشبكة؟، طبعا لا، لكن العيش فيها وعلى فتاتها قد يدمر مشاريعا واحزابا، هذه نصيحة، هناك اشخاص يعيشون على الشبكة، ويعتاشون منها كذلك، لكنهم على ارض الواقع يقتربون من الصفر، من الضروري الانتباه وللغاية.
يتبع
أضف تعقيب