في الكلام عن حزب جديد(2-2):

المبدئية و"البراغماتية" والمصالح والنزول عن الشجرة

آخر تحديث 20/04/2016 11:59


ليس هناك من لم يسمع او لم تمر عليه مقولة"السياسة هي فن الممكن"،
في السياسة هناك ممكن وهناك "غير ممكن كذلك"،وفن السياسة لا يكمن في اقتناص الممكن من غير الممكن،هذا فن ممارسة المصالح،من يبحث عن مصلحة لن تكون عنده أي خطوط،سيفعل كل شئ "ممكن" او "غير ممكن" ليحقق مصلحته.
السياسة بخلاف ما يروج لها هي مبادئ كذلك،واذا كانت الغاية تبرر الوسيلة لدى البعض فمرد ذلك الى المبادئ التي يحملونها وليس الى السياسة،بالامكان ان تقول لا بصوت مرتفع لغيرك وتحافظ على علاقات ،فيما يخص المبادئ.
اجمل ما في السياسي هو قول ما يؤمن به،دون ان يشعر ولو للحظة واحدة انه خسر زمالة او صداقة احد،مع الوقت سيتعامل الاخرون فقط مع قناعاتك ومبادئك ،وليس مع شخصك الكريم،في السياسة ايضا (ويا للعجب) المبادئ تبقى اهم من الاشخاص،وليس كل المبادئ طبعا،ان تحمل مشروع اولا ،ان تعمل لدى المشروع،المشروع لا يعمل لديك.
في السياسة هناك امور قاتلة،الشعور بالعظمة مقابل الشعور بالنقص،كلاهما يؤدي الى نتائج قاتلة،مدمرة احيانا،في السياسة لا احد يلعب لوحده،عندما لا تشاهد الناس من حولك فهم يبادلونك ذات الشعور وقد يكون اسوأ،انتبه انك لست وحيدا ولست الافضل احيانا.
اهم ما في السياسة هو فهم اللحظة التي تعيشها واقتناص الفرصة التي تتاح لك،الفرص اذا لم تقتنصها في اللحظة والمكان المناسبين ،لن تعود اليك،ومن الممكن ان تقتنصك انت ،وهناك فرق بين ان تقتنص الفرصة وبين ان تقتنصك،ان تبلعك،وتقذفك على حاشية الطريق.
السياسي يقاس بقدرته على السير بين النقاط دون ان يبيع مبادئه،من الصعب احيانا استيعاب هذه المقولة،بالنسبة للبعض هذا امر مستحيل،الحقيقة ان الامر ممكن،انت تقرر قوانين اللعبة،وليس اللعبة هي التي تقرر كيف تلعب،وهذه بالذات مسألة صعبة للغاية.
لا تنشغل في مسألة الكثرة والقلة،لا تنشغل بعدد المعجبين بفكرتك،او بافكار غيرك،طبعا من المهم للغاية ان تنال فكرتك اعجاب الاخرين،ان يقتنع بها اكبر عدد،لكن من شأن الالتصاق بالاعداد ان يفقد الفكرة جوهرها،فتصبح حاضرة شكلا عبر الشاشات والاداء التلفزيوني والضجيج،لكنها على ارض الواقع صفر كبير.
ليس من السهل طبعا ان تعيش في بيئة تحكم عليك وعلى وجودك بحجم حضورك الاعلامي،واتقان الكلام والحديث،واحداث الضجة والشوشرة،حالة حولت السياسة الى مشروع علاقات عامة، مشروع للبحث عن "الشاذ" و"الملفت للنظر" "المثير" الذي "يجذب " الجمهور،في هذه المساحة بالذات تم اعدام مشاريع لا يستهان بها،يمكن دفن الافكار بسهولة ،كل ما عليك ان تفعله هو تعتقد ان حضورها الاعلامي كفيل بانجاحها.
اهم اسباب نجاح عملك هو الايمان بفكرتك،بالمشروع الذي تحمله،باستعدادك للدفاع عنه،باخلاص النية،قد تبدو افكارك غريبة احيانا،لا "تتلاءم" مع العصر والناس،غريبة،ولكن منذ متى كانت الافكار الكبيرة على غير ذلك؟
الهجوم الذي تلاقيه الفكرة،لا يجب ان تدفع للتنازل،بالعكس تمام،شريطة ان تكون الفكرة صحيحة،وواضحة.
"البراغماتية" التي يتغنى بها البعض لا تعني بتاتا التنازل عن الفكرة،ومثلها الواقعية،انت لست في سياق نيل الاعجاب،انت تحمل فكرة احيانا ليس من السهل ان تكون مقبولة على الاخرين،حقيقة ان الغالبية توافق او تتوافق على فكرة غير فكرتك لا تعني ان فكرتك خاطئة،بتاتا،وهذا ما يظنه البعض،وقد سمعته .
احيانا ايضا يحاول البعض الهروب من الفكرة بالتبرير والتعليل والتفسير،وليس اسهل من الواقع احتجاجا،فالواقع دائما يوفرلنا كل الاسباب "المقنعة" لتفسير سلوكياتنا،وهذا بالمناسبة اخطر ما يواجه الافكار والمشاريع.
هذا طبعا لا يعني اننا لا نخطئ،نحن بشر ونخطئ،ولا يفضل ان نقفز عن اخطائنا وكأن شيئا لا يحدث،تراكم الاخطاء سيتحول الى كارثة،التغاضي عن الاخطاء سيتحول الى انحراف،المسالة مسالة وقت،كل من يعتقد انه فوق الخطأ ،كل من يظن ان هناك اناس لا يخطؤون،فهو يراكم الخطأ مرتين،مرة لانه مارس النفاق تجاه من حوله،ومرة لانه شارك في صناعة الانحراف.
النفاق و"اللحوسة" بلغة السياسة هي اسوأ السلوكيات التي يمارسها اهل السياسة،بالذات حين يعتقدون انهم يفعلون ذلك "حماية للمشروع" ودفاعا عن الافكار.
الذي يصمت عن الخطأ يشارك في صناعته،حتى وان فسر سلوكيته هذه بكل انواع "الفتاوى"،هذا لن يفيد احد ولن يفيده طبعا سوى بانه يعتقد انه "فهلوي" و"شاطر " و"مدبر حالو"،هذا النوع من البشر هم اخطر الناس على الافكار والمشاريع،هؤلاء يبحثون عن ذاتهم ومصالحهم ،وتصبح الغالية تبرر الوسيلة في عرفهم.
في السياسة ستلتقي كل انواع البشر ،ما يخطر على بالك وما لا يخطر،الكذابون،والمنافقون،والمتآمرون،واصحاب المصالح،وستلتقي الصادقين كذلك،الذين عندهم مشروعا قد تختلف مع بعضه،عليك دائما ان تبحث عما يجمعك مع غيرك،عن المشترك،اترك المختلف جانبا،بشرط واحد ، اذا كان هذا يخص المبادئ التي تؤمن بها لا تصمت،ولا تتردد في اعلان موقفك،بوضوح،بدون لف ولا دوران،بالامكان ان تعمل مع الناس وتختلف معهم كذلك،حقيقة انك تعمل معهم لا تعني انك تنازلت عن مبادئك.
من الضروري كذلك ان تجيد وتحسن التعبير عن موقفك،انتقاء الكلمات والمفردات،دون الدخول في توتر،وحدة،بدون اتهامات ثقيلة،بدون تخوين وبدون تكفير،اغلى ما تملك هو مبادئك،لكن من الضروري ان تحسن التعبير عنها،والدفاع عنها اذا لزم الامر.
في السياسة اعرف انك كلما قلصت المسافة مع الاخرين،من خلال التواصل معهم،سيكون اسهل لك ولفكرتك ومشروعك في الاقتراب من الناس،في استيعابهم،قد يقبلوها وقد لا يقبلوها،هذه مسألة اخرى.

أضف تعقيب

ارسل

تعليقات


أذهب للأعلى