لرمضان نفحات وبركات لا تعد ولا تحصى، ويكفي بركة هذا الشهر الكريم أنه يجمع أفراد الأسرة الواحدة في وقت واحد حول مائدة الإفطار، ينتظرون تكبيرات المآذن بقلوب وألسن تلهج بذكر الله تعالى.
وهذه اللمة الأسرية التي تجسد صورة للترابط والتلاحم الشعوري بين أفراد الأسرة، نكاد نفتقدها في واقعنا الرابض تحت وطأة ثورة التكنولوجيا وسهام العولمة والتي من ضمن أهدافها تحقيق وتكريس الفردية في المجتمع من خلال فرط النسيج الأسري والروابط الاجتماعية.
فمائدة الطعام التي كانت يوما من الأيام تلم أفراد الأسرة ينتظر أحدهم الآخر، فلا تمتد يد إلى صحن الطعام حتى يحضر الجميع بل كانت الأم تزرع في وعي أبنائها معنى الصبر والاحترام وبر الوالدين ، وذلك عندما تطلب من أبنائها انتظار عودة أبيهم من عمله ليلتم شمل الأسرة حول ( صينية القش ) والتي تصنعها بيديها بمهارة وإتقان والتي كانت في الغالب هي مائدة الطعام في ذاك الزمان.
ولكن في أيامنا هذه فقلما تتحقق هذه اللحمة الأسرية إلا في رمضان، فكثير من الأمهات يتذمرن من أنهن يقضين الأوقات الطويلة في إعداد الأكل وتنظيف الصحون بسبب أن أفراد الأسرة يتناولون طعامهم كل على حدة، وفي كثير من الأحيان يكونون متواجدين في البيت وفي نفس الساعة، ولكنهم موزعون في غرفهم ومنشغلون في شؤونهم لتضطر الأم أن تحضر لكل واحد منهم طعامه الخاص وتدخله إلى غرفته.
لذا عزيزتي الأم، إن رمضان فرصتك العظيمة لاستعادة تلك الصورة المشرقة التي كانت عليها الأسرة أيام زمان، يوم كانت البركة تعم الجميع، يوم كانت بركة صحن الطبيخ الواحد تكفي لأسرة كاملة، نعم إنها فرصتك لاستعادة تلك الصورة الخلابة للقيم الأسرية الرائعة التي أخذت تنصهر في أتون العولمة . وذلك بلفت أنظار أسرتك وأنتم على مائدة الإفطار إلى هذه اللمة التي تجتمعون فيها على طاعة الله ورضوانه ، تجسد معاني المحبة والقيم الجميلة ، التي تعكس صورة رائعة لروح الجماعة، رددي أمامهم: أن يد الله مع الجماعة، وأن البركة في الجماعة، وأن الأسرة المترابطة لا تجتمع فقط في رمضان، بل في كل وقت، ويمكنك عزيزتي أن تديري مع أبنائك حوارا هادئا كأن تقولي لهم مثلا: ما رأيكم أن نظل هكذا بعد انتهاء شهر رمضان?
ما رأيكم أن نجعل من رمضان فرصة للتدرب على أن نجلس دائما مع بعضنا البعض ونتقاسم لقمة هنية في ظل أسرة سعيدة ؟
إننا بحاجة لعودة هذه الإشراقات والتي هي من صلب هويتنا وأصالتنا، فكم من البيوت من تعيش في صقيع عاطفي بسبب انشغال الأفراد كل في عالمه الخاص.
كذلك عزيزتي الأم فإن رمضان فرصتك لتدريب أبنائك على أعمال البر والإحسان لكل الناس وخصوصا ذوي القربى، فقد كانت ربة البيت قبل هذا الغزو العولمي المرعب تطبخ الطبخة فيعلم الجميع ماذا طبخت ليس عبر الفيس بوك كما هو مشهور في هذه الأيام، بل لأن أفراد الحي جميعا كانوا يأكلون منها، فماذا عليك لو أعدت صورة هذا المشهد الرائع ولو على نطاق مصغر كأن ترسلي طفلك أو طفلتك قبيل الإفطار إلى جدهم أوجدتهم أو عمتهم أو حتى إلى أعمامهم، يحملون لهم طبقا لذيذا من حلوى وغيرها من صنع يديك، فتعمقين بذلك أواصر المحبة والقربى وتوثقين في نفوس أبنائك انتماءهم لعائلتهم الممتدة، فغالبا ما نجد أبناء اليوم لا يعرفون أقرباءهم، وإذا عرفوهم فالعلاقات بينهم واهية لا يلتقون إلا في المناسبات، والعبرة من هذا الطبق الذي ترسلينه مع طفلك لأحد أقربائه ليس لملء البطون بالطعام، بل لملء القلوب بالمحبة والألفة التي باتت صورتها تبهت يوما بعد يوم.
تقبل الله من ومنكم الطاعات وكل رمضان ونحن إلى الله أتقى وأقرب.
أضف تعقيب