عن المقارنة بين انقلاب السيسي ومحاولة الانقلاب في تركيا

حامد اغبارية
آخر تحديث 21/07/2016 20:23
 
من الظلم الشديد المقارنة بين نجاح نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إفشال محاولة الانقلاب العسكري، وبين "فشل" الإخوان المسلمين في مصر في إفشال انقلاب عصابة السيسي على الرئيس محمد مرسي. ذلك أنه لا يوجد وجه شبه واحد بين الحالتين، على عكس ما ذهب إليه كثيرون، ومنهم إسلاميون، من الذين تساءلوا بدهشة: كيف نجح أردوغان وفشل الإخوان؟ وهؤلاء ظلموا الإخوان المسلمين، ووضعوهم في خانة الضعف والفشل وغياب الرؤية السياسية، بل إن منهم من ذهب أكثر من ذلك، واتهمهم بالخوف والهروب من المواجهة. وليس في هذا كله شيء من الحقيقة ولا الأنصاف.
 
فالإخوان المسلمون، الذين سفكت دماؤهم في الميادين، واعتقل عشرات الآلاف منهم، لم يهربوا من المواجهة ولم يرفعوا الراية البيضاء ولم يتراجعوا، والأحداث التي أعقبت الانقلاب الدموي شاهد على ذلك، ولا داعي لتفصيلها، فهي معروفة للكافة.
 
هناك فروق كبيرة وكثيرة بين الحالتين التركية والمصرية، نلخص أهمها فيما يلي:
أولا: لقد "وصل" الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في مصر بعد ثورة شعبية أطاحت بالطاغية مبارك، وذلك في انتخابات جاءت بعد أن تمكن المجلس العسكري، بقيادة المشير طنطاوي، من وضع خطة الانقلاب القادم، وكانوا فقط ينتظرون اللحظة المناسبة.
 
ولعل تصريحات قيادات كبيرة في المجلس العسكري، وما رشح في وسائل الإعلام التابعة للدولة العميقة، تشير بكل وضوح إلى أن "تمكين" الإخوان من الحكم، كان جزءا من الخطة، التي وضعت ليس فقط للانقلاب عليهم، بل لاستئصالهم والقضاء عليهم. ونضع "وصول" الإخوان إلى الحكم بين مزدوجين، لأنهم في الحقيقة لم يحكموا فعلا، ولم تكن السنة التي كان فيها الدكتور محمد مرسي رئيسا رسميا للبلاد، كافية لتمكينهم من أدوات الحكم وأجهزته، ولا هي كافية أصلا للحكم عليهم. وكل ما عدا ذلك لا يعدو كونه هرطقات فارغة ليس لها رصيد. 
 
ثانيا: كان الإعلام الرسمي والمستقل ضد الرئيس مرسي وضد الإخوان منذ اللحظات الأولى من إعلان موعد انتخابات البرلمان ثم الرئاسة، ولا يخفى على أحد ما صبه إعلام العار من دجل وأكاذيب أثناء مناقشة مواد دستور 2012، وذلك بعكس الإعلام التركي الذي وقف إلى جانب الشرعية، وعارض محاولة الانقلاب، علما أن هذا الإعلام في أغلبه علماني متحرر، ومواقفه المعارضة لحزب العدالة والتنمية ومن سياسات الرئيس أردوغان معروفة.
 
ثالثا: لعبت الأحزاب العلمانية والليبرالية المصرية، التي نشأت في بلاط مبارك، دورا قذرا في دعم الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، بعكس أحزاب المعارضة التركية، التي وقف جميعها مع الرئيس أردوغان، ومع الشرعية، رغم كراهيتها لأردوغان ولسياسات حزبه، خاصة فيما يتعلق بالأمور الداخلية، والمسحة الإسلامية في نهجها، ورغم الاختلاف الفكري والإيديولوجي الشرس.
 
رابعا: انشغل الرئيس محمد مرسي، ومن معه من المخلصين في التأسيس لدولة العدل والرفاهية، انطلاقا من مبادئ ثورة 25 يناير، لكنه وجد نفسه وحيدا في مواجهة أجهزة تديرها الدولة العميقة، مدعومة من العسكر ومن الإعلام ومن الأحزاب العلمانية والليبرالية، ومن إمبراطوريات رجال الأعمال الذين ترعرعوا في نظام مبارك.
 
خامسا: لم يلبث الرئيس مرسي في الحكم سوى سنة واحدة، لم يتمكن خلالها من بسط سيطرته على مقاليد السلطة، في ظل أجهزة عملت منذ اللحظة الأولى على إفشاله، من الجيش والشرطة والمخابرات بشقيها (العسكري والعام) وغيرها من الأجهزة المتحكمة بكل صغيرة وكبيرة، وذلك على العكس من أردوغان وحزبه، الذي استفاد كثيرا من تجربة الانقلاب على أستاذه الراحل نجم الدين أربكان (رحمه الله)، فتمكن منذ وصوله إلى السلطة عام 2002، من تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية ، وسجل مواقف دولية حققت لتركيا قفزات هائلة في مصاف الدول الكبرى على كل المستويات، ما حقق له التفافا شعبيا غير مسبوق في تاريخ تركيا الحديثة، كما أن أردوغان تمكن خال السنوات الماضية من إحداث اختراقات في الأجهزة الأمنية والعسكرية، فلما جاء الانقلاب، كان له في هذه الأجهزة من يسانده ويدافع عن الشرعية وعن البلاد.
 
لقد استغرق أردوغان 15 سنة تقريبا حتى تمكن من مقاليد السلطة بهذه الطريقة، وهو ما لم يتوفر للرئيس محمد مرسي ولا للإخوان المسلمين. وخلال السنة التي "حكم" فيها الرئيس مرسي كان كمن يواجه وحده، بكفه العارية، كل القوى الداخلية والخارجية المتمكنة من مفاصل الدولة. لقد كان كل شيء ضد الرئيس مرسي، حتى من أحزاب زعمت أنها إسلامية مثل حزب "النور" السلفي، الذي اتضح لاحقا أنه ذراع من أذرع الانقلاب، ناهيك عن شخصيات ذات ثقل انفضّت من حوله في لحظات حرجة، مثل وزير العدل الأسبق، ونائب رئيس الجمهورية، وعدد من أعضاء المجلس الرئاسي والمستشارين، ووزراء في حكومة هشام قنديل، الذي قدموا استقالاتهم بصورة فجة ومفاجئة، أضعفت موقف الرئيس، وساهمت في الانقضاض عليه. 
 
سادسا: تمكن أردوغان، خلال سنوات حكمه، ومعه حزب العدالة والتنمية، وكذلك أحزاب المعارضة، من ترسيخ أسس نظام ديمقراطي حقيقي، وهو ما لم يتحقق في مصر، التي حكمها العسكر مباشرة طوال ستين سنة، وكانت "ديمقراطيتها" شكلية لا تتجاوز الشعار الأكذوبة.
 
سابعا: لقد ذاق الشعب التركي ويلات حكم العسكر والانقلابات العسكرية طوال ما يقارب 80 سنة، كما تذوق خيرات حكم أردوغان من رفاهية اقتصادية واستقرار سياسي واستجابة توجهات أغلبية الشعب التركي المسلم، فهل كان أحد يتوقع أن يتنازل الشعب عن كل هذه الإنجازات لأجل العسكر؟ لقد دافع الشعب التركي عن نفسه، وعن مستقبله، وقاتل لأجله، مسنودا أيضا بمواقف وطنية من أحزاب المعارضة، التي فضلت حكما مدنيا، حتى لو لم ترض عنه، على حكم عسكري يأتي على الأخضر واليابس. وهذا ما لم يتسن للرئيس مرسي، الذي لم يمكنه خصومه السياسيون، وأعداء المشروع الإسلامي (في الداخل والخارج) من الحكم، ناهيك عن أن العسكر هم في الحقيقة عبارة عن إمبراطورية اقتصادية هائلة، ما كانوا ليتنازلوا عنه بسهولة، فعملوا على الحفاظ على "مكتسباتهم" منذ اللحظة الأولى، بل قبل اللحظة الأولى.
 
ثامنا: لعبت الكنيسة القبطية، بقيادة البابا تواضروس، دورا قذرا في التأليب ضد حكم الرئيس مرسي، وشيطنة الإخوان المسلمين، وحشدت الحشود وجيّشت الإعلام الفاجر، وسكبت مليارات الدولارات، وحركت العملاء وصولا إلى لحظة الانقلاب على الشرعية. ومثلها فعلت المؤسسة الدينية الإسلامية، ممثلة بمشيخة الأزهر، وحفنة من أصحاب العمائم، الذين غرروا بقطاع لا بأس به من الشعب المصري، وهو ما لم يحدث مثله في تركيا.
 
أخيرا: فإن الانقلاب على الرئيس مرسي شارك فيه كل الجيش المصري، بكل قطاعاته وقياداته، وساندته وزارة الداخلية وشرطتها وأجهزتها الأمنية، إضافة إلى جهاز المخابرات العامة، والقضاء وسائر أجهزة الدولة العميقة، وهو ما لم يحدث في تركيا، حيث أن الذين حاولوا الانقلاب شكلوا فئة صغيرة من داخل الجيش، وجدت من يتصدى لها من الجيش نفسه. ولو أن الجيش التركي بكل قطاعاته شارك في الانقلاب، لكانت الحالة التركية الآن مختلفة تماما. 
 
لا يستطيع أن يزاود على مشروع "الإخوان المسلمين" إلا مكابر أو مبغض للمشروع الإسلامي. وإذا كان هناك من أعجبه المشروع الذي يحمله رجب طيب أردوغان، بروحه ذات البعد الإسلامي، مع ما فيه من نواقص، فإن عليه أن يدرك أنه بالذات بسبب نجاح مشروع أردوغان، انقضّ البغاة والطواغيت على مشروع الإخوان المسلمين، وبذلوا كل نقيصة من أجل منعه من التمكن في مصر.. فهمها من فهمها، وجهلها من جهلها... وكابر فيها من كابر.  

أضف تعقيب

ارسل

تعليقات


أذهب للأعلى